هل سلتجأ السعودية للتفاوض مع طرفي صنعاء..؟ وهل سيفرغ “محسن” خزينة السعودية كما افرغ الخزينة اليمنية في حروب صعدة الست..؟
يمنات
فائز الأشول
حالة المرواحة في جبهات القتال من صرواح ونهم إلى ميدي، مروراً بالجوف والبقع وعلب، تؤكد فشل السعودية في إدارة حربها في اليمن، وعدم قدرتها على تحقيق اختراق سياسي أو اجتماعي لتفكيك تحالف «المؤتمر» و«أنصار الله»، و كسب ولاء الزعامات القبلية في شمال الشمال الذي طالما كان ملعباً تقليدياً للنفوذ السعودي.
من الشهور الأولى للحرب تبين أن الرياض ليس لديها استراتيجية واضحة لتدخلها العسكري. و اليوم، وبعد مضي 25 شهراً، تبدو خياراتها مرتبكة بعد أن صارت اليمن مشكلة سعودية بامتياز.
لقد اعتادت الرياض على الإمساك بملف اليمن و لعقود من الزمن عبر اللجنة الخاصة و توزيع الهبات و العطايا على الزعامات التقليدية. و بالآلية ذاتها حشدت آلاف اليمنيين إلى جبهات القتال لخوض معركتها «الخاطفة».
أجزلت في العطاء للمنضمين إلى القتال و المؤيدين لـ«عاصفتها»، مانحة ما بين 1400 و3000 ريال سعودي مرتباً شهرياً لضباط و جنود قوات «الشرعية». و لم تمض سوى 6 أشهر حتى ظهرت بوادر استنزاف الحرب لخزينتها. فأوقفت صرف المرتبات بالريال السعودي، و اعتمدت 65 ألف ريال يمني راتباً شهرياً للجندي اليمني في الجبهات التي تمولها من صرواح إلى ميدي. و مع مطلع العام الحالي 2017م، تبين لها أنها تصرف المليارات على جيش «وهمي».
تجار حرب
قيادي في حزب «الإصلاح» قال، لـ«العربي»، إنه «إذا لم تضع المملكة جدولاً زمنياً للشرعية لتحرير ما تبقى من اليمن و إنهاء الإنقلاب، فإنها سلتجأ للتفاوض مع الإنقلابيين مرغمة و بشروطهم»، مؤكداً أن «السعودية تستنزف، و أن قيادات عسكرية في الجيش حولت الحرب إلى تجارة».
و يكشف مصدر عسكري في وزارة الدفاع بمأرب، لـ«العربي»، ما يدلل على صحة ما ذهب إليه القيادي في «الإصلاح»، بقوله إن «السعودية تصرف شهرياً مستحقات 12 لواء عسكرياً في جبهة نهم، فيما القوة الفعلية لا تتجاوز 12 كتيبة، و من يقاتلون من منتسبيها في خط المواجهة لا يتجاوزون ألفي ضابط و جندي».
أفرغت المملكة معسكراتها في الخضراء بنجران و قلل الشيباني في عسير لمقاتلين يمنيين جلبتهم للدفاع عن حدودها، أما التقدم في صعدة فقد تعذر طوال الشهور الماضية رغم «الزحوفات» المتوالية على منفذ علب و صحراء البقع، و التي لم تحد من هجمات «أنصار الله» و حلفائها في نجران و جيزان و عسير، إلى جانب إطلاق الصواريخ على الداخل السعودي.
خفض النفقات
في العام 2015م، كانت السعودية تصرف لأسرة كل قتيل يمني بصفها في جبهة ميدي 150 ألف ريال سعودي، و25 ألف ريال سعودي لكل جريح، مع تكفلها بعلاجه في مستشفيات المملكة. و في يناير 2016م، أوقفت صرف هذه المبالغ.
و شكا يمنيون، لـ«العربي»، من إخراج الكثير من الجرحى من المستشفيات السعودية دون إكمال علاجهم.
كانت السعودية تصرف مائة ريال سعودي يومياً لكل مقاتل في الخطوط الأمامية في جبهات صرواح و نهم و الجوف و ميدي، و منذ ثلاثة أشهر تم خفص المبلغ إلى 40 ريال سعودي يقوم المندوبون بصرفها و إعطاء كل مقاتل 3 آلاف ريال يمني.
قائد كتيبة في المنطقة العسكرية السادسة بالجوف وصف ما يحدث في جبهات القتال بقوله: «علي محسن الأحمر قاد 6 حروب في صعدة، و أفلس بخزينة البنك المركزي، و اليوم انتقل الى مأرب مع ضباط وجنود الفرقة و المنطقة الشمالية الغربية وسوف يفلس بالخزينة السعودية».
الحلفاء التقليديون
حروب التباب و هجمات الكر و الفر لم تغير في ميزان القوى، و لم ترجح الكفة لصالح السعودية، ما أجبرها على اللجوء لحلفائها التقليديين، ليلتقي ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في الـ6 من أبريل بالرياض «كبار مشايخ القبائل اليمنية». و بعد مقدمة استعطاف و تحفيز بأن «اليمن هي أصل العرب و كل جذورنا و كل أعراقنا ترجع في الأخير لليمن»، طلب منهم «الفزعة»، و خاطبهم بالقول: «رجال اليمن إذا استنفروا و وقفوا سوف يقضون على العدو، و لن يقفوا حتى يكونوا في عقر داره». لم يتوجه المشائخ إلى جبهات القتال كما طلب منهم، و لكن عادوا إلى مقر إقامتهم في فنادق الرياض و الدوحة و القاهرة، ليخرج بعدها بأيام وزير الخارجية السعودي بتصريح لوسائل الإعلام قال فيه «إن المملكة استقبلت خلال الحرب 650 ألف يمني».
مزيد من الإرتباك
اليوم، و بعد مرور أكثر من عامين من الحرب المدمرة في اليمن، و أكثر من 100 ألف طلعة جوية لطيران «التحالف» خلفت آلاف الضحايا، و بالتوازي مع حصار أوصل اليمنيين إلى حافة المجاعة، لا تزال السعودية تبحث عن خيارات بديلة لإجبار تحالف «أنصار الله» و«المؤتمر» على القبول بالتفاوض بشروطها، بعد استحالة حسم معركتها في اليمن، ليتحول اهتمامها مؤخراً نحو الساحل الغربي و ميناء الحديدة، شريان الحياة المتبقى للسكان في المناطق الخاضعة لسيطرة «أنصار الله» و حلفائها.
استعانت الإمارات بقوات سودانية، لكنها لا تزال عالقة في موزع و محيط معسكر خالد، و لم تتمكن من تأمين الشريط الساحلي من باب المندب إلى المخا، في وقت تقدم السعودية فيه مزيداً من العروض و الإغراءات لإدارة دونالد ترامب للقبول بتدخل مباشر بجانبها في الحرب في اليمن، لكنها لا تزال بحاجة إلى 40 ألف جندي لمعركة الساحل الغربي، و من أجل ذلك عقدت مصالحة مع القاهرة برعاية ترامب، و كلفت اللواء أحمد عسيري بإطلاق بالونة اختبار منتصف ابريل الجاري، حيث قال، في مقابلة مع قناة «العربية»، إن «الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كان قد عرض على السعودية إرسال 30 إلى 40 ألفاً من القوات المصرية لدعم التحالف العربي بقيادة السعودية ضد المتمردين الحوثيين». و برغم تراجع عسيري عن حديثه هذا، إلا أن مراقيبن أكدوا، لـ«العربي»، أن حديثه كان متعمداً للتعبير عن سخط الرياض من موقف مصر غير الواضح من أزمة اليمن، و رغبتها في دعم صريح ضد «أنصار الله» و حلفائها.
كما كشف موقع «نيو آرب» البريطاني عن أن واحداً من أسباب التوتر في العلاقات بين مصر و السعودية هو رفض القاهرة السابق إرسال قوات برية لمساندتها في حرب اليمن.
و ألمح الموقع، في تقرير نشر حديثاً، إلى أن الرياض لم تخفِ ضيقها من عدم رغبة القاهرة في إرسال قوات برية إلى اليمن، و الانضمام إلى «التحالف العربي» بقيادتها ضد «المتمردين»، إلا أن اللقاء الأخير بين الملك سلمان و السيسي في الرياض كان بداية لمحاولات كسر الجليد و إزالة التوتر الذي ظهر جلياً بعد ذلك بين البلدين.
تحالف مقلق
في الـ23 من أبريل الجاري، وبعد جولة شملت السعودية و قطر و مصر و إسرائيل، زار وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، قاعدة عسكرية في جيبوتي تابعة لبلاده، تنطلق منها العمليات في اليمن و الصومال، ليتحدث عن دور إيراني في زعزعة الإستقرار في اليمن، و هو ما قوبل بترحيب من الأنظمة الخليجية، و في المقدمة النظام السعودي، الذي أفاد ولي ولي العهد فيه، محمد بن سلمان، في مقابلة مع «واشنطن بوست»، بأن «المملكة ناقشت إمكانية تقديم دعم أمريكي إضافي للسعودية، إذا لم يوافق الحوثيون على تسوية من قبل الأمم المتحدة».
في اليوم نفسه، أعلنت وزارة الدفاع المصرية عن بدء تدريب مشترك للقوات البحرية المصرية و الأمريكية في البحر الأحمر، بمشاركة ست دول من بينها السعودية و الكويت و الإمارات و البحرين و باكستان بصفة مراقب.
و قالت وزارة الدفاع، في بيان على موقعها على الإنترنت، «انطلقت فعاليات التدريب البحري المشترك المصري الأميركي، تحية النسر 2017، الذي تجريه وحدات من القوات البحرية لكلا البلدين، و يستمر لعدة أيام بنطاق المياه الإقليمية بالبحر الأحمر».
و أضافت أن التدريب يشمل تخطيط و إدارة أعمال قتال مشتركة نهاراً و ليلاً، بالتعاون مع القوات الجوية، لتأمين منطقة بحرية ضد التهديدات المختلفة، كما يشمل التدريب المشترك اقتحام السفن المشتبه بها.
مراقبون رأوا في التقارب الأمريكي المصري السعودي مؤشراً إلى وجود تغيرات سياسية و عسكرية مرتقبة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة التي تتوافق مع رغبة سعودية في مساندة المملكة في حربها المكلفة، و مواجهة «أنصار الله» التي تصورها للخارج كذراع إيران في اليمن.
صوب الكارثة
مصادر موثوقة قالت، لـ«العربي»، إن السفارة الروسية في صنعاء أبلغت قيادات في «أنصار الله» و«المؤتمر» بهجوم وشيك لـ«التحالف» الذي تقوده السعودية على ساحل الحديدة. مضيفة أن السلطات في صنعاء دفعت بتعزيزات ضمت أكثر من 2000 مقاتل إلى الساحل الغربي خلال الأيام الماضية مع عربات «كاتيوشا» و مدافع سواحلية.
هذا التصعيد الذي تقوده السعودية و الإمارات يمثل خطراً حقيقياً على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، و يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، و لا يفضي إلى قبول «أنصار الله» وحلفائها بالتفاوض وفق شروط الرياض، بل سيجعل من الساحل جبهة قتال مفتوحة على إمتداد 550 كم من ميدي إلى باب المندب، و لن يكون بمقدور القوات المصرية المؤمل منها تأمينها القيام بذلك، و قبله لن يعدم الرئيس السيسي الحيلة في التنصل من الضغوط عليه لدفع قوات بلاده نحو جغرافيا سبق أن ابتلعت 15 ألف مصري، و تسببت في نكسة حزيزان عام 1967م.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا